بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 يوليو 2011

انفصال جنوب السودان:حسابات الربح والخسارة.



      *بقلم/ محمد أحمد منهل محمد

       العلاقة بين الجنوب والشمال في السودان هي علاقة أزلية وهنالك ارتباط وثيق بين الجنوب والشمال  وهو  إنهم سودانيون يضمهم  وطن واحد (باعتبار ما  كان )  . ولما  كانت  السياسة وأفكار الانتلجنسيا  هي المحرك للنظام السياسي في السودان كان جنوب السودان حاضرًا في الأفكار السياسية السودانية ويشكل محورًا جوهرياً في كل أطروحات الأحزاب السودانية .والعلاقة بين الشمال والجنوب أو بالأصح بين الساسة الشماليون والمثقف الجنوبي الثابت فيها هو الصراع  حتى في أوقات السلم 72___ 83 ، و 2005  حتى الآن اتفاقية نيفاشا أيضا العلاقة الطابع الأساسي فيها هو التوتر والصراع السياسي من اجل الفوز وهنا المعادلة لا تقبل خاسر كل طرف هنا يريد أن يفوز والغريبة الطرفين فازا في فصل الجنوب ويمكن أن تكون هذه المرة الأولي في تاريخ البشرية أن الطرفين المتنافسين كلاهما حققا ما يردان في الوقت الراهن  لكن  القادم أشنع  كما سنفصله لاحقا .
         السياسي الجنوبي لا يعرف في السياسة غير أن الشمال يشكل تعاليا عليه وان الشماليين ظلموهم شر ظلم وان هنالك تراكم تظلمات من قبل الساسة الشماليون وهذا طبعا ما أثبتته الظروف  التي جمعت بين الشماليين والجنوبيين سوء حكام  أو شعب وهذا ما دفع المثقف الجنوبي إلي إعلان الرفض والثورة علي الحكومات ذات السيطرة الشمالية لكي يجدوا لا نفسهم حلا للانعتاق من الوضع المأزوم وتشربوا بنظريات الراحل الإنسان الدكتور/ جون قرنق ديمبيور الأب الروحي للحركة الشعبية وصاحب نظرية السودان الجديد التي تهدف إلي تغيير التفكير ونهج الحكم والوحدة علي أسس جديدة تحترم التعدد والتنوع في السودان .ومن اجل مشروع السودان الجديد  قاد الدكتور قرنق أطول حرب في التاريخ الإفريقي وتحت أصوات الرصاص ودوي القنابل اجبر نظام الخرطوم أن يعترف بالحركة الشعبية باعتبارها حركة سياسية وهي الوريث الشرعي بجنوب السودان وجلس إليها حتى تحصلا علي سلام في ضاحية نيفاشا الكينية في العام 2005 . وبعد اتفاقية نيفاشا اخذ الجنوبيين وضعا جديدا في السودان أصبحوا جزء من مؤسسة الرئاسة في الدولة السودانية وأصبحوا جزء من حكومات الولايات في شمال السودان  بالإضافة إلي تربعهم علي كل مفاصل الحكم في جنوب السودان وأصبحت كل الملفات السياسية التي تشكل حيزا كبيرا من هم الدولة السودانية هم جزء أساسي منها كالانتخابات ،والبترول ،وآبيي ،والمشورة الشعبية ...الخ. والحركة الشعبية أصبحت تتعامل مع المؤتمر الوطني بنوع من الندية لأنها عرفت تماما أن المؤتمر الوطني يعمل علي عرقلة مشروعها الرامي إلي وضع الجنوبيين كمكون أساسي في خارطة الدولة السودانية وترتيب مواطنيها وعرفت أن الكلمات الجوفاء التي يقولها المؤتمر الوطني عن احترام الاتفاقية ووحدة السودان ما هي  ألا كلمات جوفاء ليس لها من الحقيقة ظل ،وعرفت أن المؤتمر الوطني لا يقيم وزنا لحليف أو شريك حكم إلا عندما يري في احترامه مصلحة له ،وهذا تجلي في أفكار المؤتمر الوطني التي استغل في سبيل إنفاذها كل الفترة الانتقالية التي كان من المفترض أن تكون فتره للتفاهم وترسيخ أسس جديدة من اجل وحدة جاذبة لكن المؤتمر الوطني كان طوال الفترة مهموم بتقسيم الحركة الشعبية وإضعافها ووضع العراقيل أمامها حتى لا تقوي علي مواصلة مشروعها وكان تعامله معها مشوب بالسخرية وأصبح يتعامل معها بتآمُر واسع النطاق تشد خيوطه أركان من نظام الخرطوم لها أهداف ومطامع تسعي من خلالها لتمكين جهة معينة وقبائل بعينها وهذه ليست ظاهرة ولدت في رحم نيفاشا وإنما هي وليدة مخطط  طويل الأمد ،وسُخر الإعلام الحكومي السوداني بتوجيه تفكير وعواطف الطبقات الشعبية والمتوسطة ألا أن الأمر كان مختلف بالنسبة للصفوة الفكرية الرفيعة وخاصة أبناء جنوب السودان من قيادات الحركة الشعبية وكانوا كل يوم يضيفون محتوي إلي فهرس الكتاب السياسي السوداني ويبدوا إن الجنوبيين عرفوا باكرا  إن  البلاد تقاد إلي مجزرة شاملة وان حكامها يتعاملون بالترقيع الفكري .لذلك ذهبوا في اتجاه الانفصال والذي هو يعتبر فكره أساسية لقيام العمل الثوري المدعوم بالسلاح في جنوب السودان علي الرغم من هنالك عدد من الملفات لاشك إنها سترهقهم وتشكل لهم سدا منيعا أمام الانطلاق ألا أنهم رأوا إنه مهما تعاظمت التحديات ألا أن في الانفصال علاجاً وخلاصاً لهم من هذا الوضع المأزوم .فهيئوا الجو العام علي مستوي المجتمع الدولي وعلي المستوي الإقليمي لكي يناقشوا من خلاله قضاياهم العالقة مع المؤتمر الوطني .
         انفصل الجنوب اليوم  9 يوليو 2011 ،    تحقيقا لفكرة ساسة الجنوب الذين يعتبرون إن بالانفصال تتحقق لهم المواطنة من الدرجة الأولي والعيش في وطن كامل السيادة ،انفصل الجنوب ليحقق للمؤتمر الوطني واحدة من أفكاره المريضة وهي المضي قدما في تطهير السودان من العناصر غير العربية سواء بالانفصال في جنوب السودان أو بالقتل والاباده الجماعية والتطهير العرقي في دارفور أو بجلب عناصر عربية للاستيطان في أقصي  شمال السودان ،  انفصل الجنوب واثبت ذكاء ساسة الجنوب الذين حشدوا كل القوي حولهم حتى القوي العربية كقطر والكويت ،انفصل الجنوب واثبت غباء المؤتمر الوطني وعدم وعيه الكامل  بدسائس السياسة .فلن يحقق مطلبهم بأننا عرب اقحاح نشكل قوي حقيقية في جامعة الدول العربية فمهما فعلوا لتحقيق ذلك فإننا سنكون في ذيل العرب ليس في ذلك شعورا بالدونية لكن في وجود تعقيدات النظام السياسي العربي الذي ينقسم بين دول خليج ودول أخري عربية تطل علي المتوسط في شمال أفريقيا بالإضافة إلي دول عربية أخري تختلف  قضاياها مع قضايا السودان تماما  . علي الرغم من إيماني التام بان الثقافة العربية هي مكون أساسي ضمن مكونات الثقافة السودانية ألا أن وجهه السودان السياسية الأولي لها أن تكون في اتجاه أفريقيا لان الملفات الحالية كمياه النيل والعلاقة مع الجنوب وقضية منطقة آبيي ومناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق هي ملفات تتطلب الدور الأفريقي بشكل كبير .
       المرحلة القادمة للسودان الشمالي وحكومة جنوب السودان الوليدة هي مرحلة ستكون في غاية الصعوبة.سيكون فيها إرهاق فكري وإزهاق للأرواح وإهدار للأموال ،لان حكومة الجنوب تسعي بكل الوسائل والتي في أولها السلاح لتثبيت أقدامها وتحقيق حقوقها الكاملة من الأرض والبترول وكذلك المؤتمر الوطني سيّد حكومة  الشمال يسعي بكل الوسائل للمحافظة علي حكمة لان فقد السلطة يشكل خطورة جماعية لكل أركان النظام لان المحاكم الداخلية والخارجية تنتظرهم لا محالة  ولابد  أن يدفعوا فواتير تخبطهم وعنادهم والذي يدلل صعوبة المرحلة القادمة لأنه بحسب منطق الامورمن المفترض أن تسير القضايا العالقة المختلف حولها حاليا وفق ما اتفق عليه مسبقا في اتفاقية نيفاشا أو قرار المحكمة الدولية بشان منطقة آبيي ،لكن لان المؤتمر الوطن تقمصت في روحة طبيعة الشر بشكل خبيث وأصبح لا يستطيع أن بتعاطي مع ملفات السودان ألا تحت سيول من دماء أبناءه الأبرياء الذين ما زالوا يدفعون ثمن تخبطه روحا  كما يدفعونه أهلهم جوعا  وظلما .
أتمني لشعب جنوب السودان حكومة قوية ندية للشمال حتى يتثني لنا العيش في إطار هذا الندية كما  ارجوا من حكامنا في  الشمال ألا يصنعوا من دولة جنوب السودان عدوا أساسيا وحتى لا تتمرغ ما تبقي من سمعة هذا البلد الطيب ينبغي علي المؤتمر الوطني أن بفكر مليئاَ حتى يبعدنا من المنزلق الخطير.
 * شاب سوداني مدوِّن وناشط سياسي و صاحب مدوًّنة طليعة السودان الحرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق